الرئيسية - قصص وروايات - قصة جعلتني ملتزما الحلقة 2
قصة جعلتني ملتزما الحلقة 2
الساعة 01:45 صباحاً

 

حان وقت الذهاب إلى المقرأة، كما استدعى الموعد بين الصديقتين، فتنزل همس نحو زوجة عمها تستأذنها وتعدها بعدم التأخر، وترد فتحية غاضبة: مقرأة!! هل تدركين أنك فارغة! عديمة الإحساس!! أم أنك لا تشعرين؟ بدل أن تتفضلي حضرتك وتساعدينني بأشغال البيت تريدين التسكع! ألا ترين شقاء ابنتاي بالعمل علنا نعوض بعض مصاريفك! ويا ولينا من باب آخر سيفتح علينا من وراء كليتك هذه!! وأنت لا يشغل بالك إلا المقرأة!! أليس الأولى أن تجدي لنفسك عملا يغطي مصاريف دراستك الكثيرة!! 
تنصرف لا ينفك لسانها يمطر اليتيمة  سخطا: صحيح ناس باعت دمها!!

اقراء ايضاً :

تطأطئ المسكينة رأسها كأنها تبحث تحت قدميها عن قبر يرمس صدمتها وحرجها، فهي التي رغم ما تعلمه من  كره فتحية لها لم تتوقع يوما أن ترميها بتلك الجمرات الملتهبة من الغيظ الذي أمطر مقلتيها حمما بينما تركض نحو مخدعها ترتمي بين ثنايا سريرها الساكن سكون الموت، ولمن تشكو همها! ولا ما يطفئ جمرها إلا ماء وضوء... صلت بعده ركعتين تنادي من لا ملاذ إلا إليه:

" اللهم إني أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أو إلى قريب فوضته أمري، إن يكون بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك خير لي"
قامت بعد أن خمد اللهب تتصل بصديقتها معتذرة عن الموعد.

لم تنتظر طويلا حين شعرت بعودة عمها كي تفاتحه بقرارها الجديد منفردة به: عمي، قررت أن أعمل مثل رهام ورنا. 
لكن العم يرد مشدوها يفاجئه القرار الغريب: ومن طلب منك العمل!!
فترد بينما تهدئه: أدرك قلة معاش أبي وكذل قلة دخلك، وحجم تكاليف دراستي أكبر من قدرتك، جميعكم تعملون وأنا بدوري أريد أن أعتمد على نفسي

لا يزال العم يستنكر ذاك القرار: يا صغيرتي رنا ورهام حصلتا على الشهادة ولم أرغمهما على العمل، وليس هناك ما يشغلهما، لكنك مقبلة على كلية تحتاج إلى التفرغ. 
حسنا يا عمي، ترد همس مستأنفة: هناك قطعة الأرض التي ورثتها عن أمي، نبيعها وننفق من دخلها.
يرفض العم الفكرة محتجا: لماذا يا ابنتي! تلك الأرض أحتفظ بها من أجل جهازك. هل أزعجك أحد؟ أخبريني.

لكنها تصر وتلح مترجية عمها: لا يا عمي، دع أمر الجهاز هذا جانبا لست أهتم الآن إلا بدراستي، أرحني واقبل عرضي فلست مستعجلة على الزواج بقدر ما يرنو إليه قلبي من نجاح، أرجوك .. 
فما كان من العم بعدها إلا الاستجابة لرجائها واعدا إياها بقضاء حاجتها في أقرب الآجال...

وتمر الأيام تمحو الأسبوعين حين بشر العم ابنة أخيه في جلسة عائلية على سفرة العشاء بالخبر: لقد تم بيع الأرض يا همس.. والثلاثون ألفا ستسد تكاليف الدراسة لسبع سنوات ان شاء الله..
حينها قاطعته فتحية متدخلة: طيب يا حاج، لمَ لا تأخذ من المبلغ عشرة آلاف نجدد بها الذي سيقع فوق رؤوسنا! وننفق مما تبقى إلى أن تسدد لها !!

لعل عريسا يتقدم لاحدى ابنتيك فلا نحرج من وضع البيت المزري أمام الضيوف!! 
نعم يا عمي خذ ما تريد : تقول همس كأنها تشعر بالتكليف اتجاه عمها الذي أشعرتها زوجته أنها عبء عليه... لكن العم لم يعجبه الكلام وقام يرغي ويزبد يخترق بصوته الجدران: حرام علي قرش من مالها، سأودع المبلغ البنك ولن ينفق إلا على دراستها ولن أسمح بنقاش حول الأمر، وانصرف يستشيط غضبا...

لدي الكثير من المشاغل .. 
ردت رنا: ما الذي يشغلك حبيبتي!! هل ستتزينين وتضعين وتضعين بالعيون كحلا وبالوجه مراهما، وتصبغين الرموش والأظافر!!! وتقهقه ساخرة.. ليس أمامك إلا كيس تدخلين به رأسك وتجهزين 
فترد همس بكل هدوء:  هداكما الله ، أنتما لا تسخران مني، بل تسخران من أمر أنزله الله في كتابه فرضا على كل المسلمات المؤمنات...

تهم الأختان بالانصراف تقول رنا: كفى أرجوك لا داعي لفتح أسطوانة الخطبة من جديد، هيا بنا يا رهام، أم تنتظرين بركات الشيخة همس.. 
تنصرفان في حين يملأ قلب اليتيمة مزيد من الأسى:

كعادتها همس في غرفتها تهم بلبس ملحفتها حين تباغتها رنا وتدخل مستهزئة: لا أفهم ما هذا الذي تلبسينه وكيف تستطيعين المشي به!
ترد همس بثقة: لن يكون حجابي عائقا لي أبدا، بل أنا أكثر ارتياحا فيه، لا تأكل جسمي النظرات الطامعة ولا تتعقبني القلوب المريضة، وأفرض احترامي على الجميع..وأسأل الله أن يكرمني بلبس النقاب 
تصر رنا على تهكمها: لا يا شيخة!! ابدئي خطبتك المعتادة ، كان خيرا أن تأخذي مكان شيخ الجامع على المنبر...
انضمت رهام في نفس الحين فقالت رنا: فاتتك الخطبة يا رهام..
تنهدت همس تعزي نفسها : اكتملت القصة !!!!
  تدخلت رهام هي الأخرى: يا خسارة يبدو أنه فاتني الكثير 
 تنهدت همس تعزي نفسها ثم قالت: طيب يا حبيباتي هل يمكن أن نؤجل الحوار الجميل لوقت لاحق؟

يا رب كم هم غافلون عنك، كيف يتركون بابك المفتوح ورحمتك الواسعة ويختارون باب اللهو وشهوة اللبس والعري، ويتبعون الشيطان! يا رب اكتب لهم الهداية

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص