الرئيسية - اخبار محلية - وردنا الان..عودة الرئيس علي ناصر محمد الى اليمن(إليك التفاصيل)
وردنا الان..عودة الرئيس علي ناصر محمد الى اليمن(إليك التفاصيل)
الساعة 05:30 مساءً

من باريس إلى أبو ظبي

 

اقراء ايضاً :

 في الحلقة السابقة ذكرنا لنا الرئيس علي ناصر محمد حول الخلاف وتحديد الباعث والدافع للحزبين الاشتراكي والمؤتمر إلى إعادة اتصالهما به للعودة إلى صنعاء، بعد أن قضت مصلحتهما المشتركة في نوفمبر 1989م بإخراجه من اليمن عام 90م .. وفي هذا العدد يحكي لنا تفاصيل لقاء جمعه بحكيم العرب زايد في أبو طبي في 25يوليو 1992م، ونترك الحديث للرئيس ناصر حيث قال مسترسلا:" كنتُ في باريس حين اتصل بي السيد خميس الرميثي (أبو خالد)، مدير مكتب صاحب السموّ الشيخ زايد. كان هذا ثالث اتصال يجريه معي خلال وقت قصير، وكان يستفسر عن مستجدات الأوضاع في اليمن، وإذا ما طرأ جديد عليها. وقد أجبتُه بأنّ هناك أموراً كثيرة جداً ومهمة تستدعي أن أتشاور بشأنها وأناقشها مع صاحب السموّ رئيس الدولة، أو مع من يختاره ويوفده إلى دمشق.

 

ويضيف الرئيس ناصر في حديثه قائلا:" وقال لي خميس الرميثي إنه سيبلغ الشيخ زايد بالموضوع ويبلغني بردّ سموِّه خلال أسبوع.

 

لم يتأخر الردّ كثيراً، فقد خابرني الرميثي صباح يوم الأربعاء الواقع فيه التاسع والعشرون من حزيران/ يوليو ــ أي بعد أربعة أيام من آخر مكالمة بيننا ــ وأبلغني أنّ صاحب السموّ الشيخ زايد يرحّب بزيارتي للإمارات غداً الخميس، وأنّ سموّه حدّد يوم الجمعة مباشرةً لمقابلته.

 

ويواصل الرئيس ناصر ويقول:" وطلب الرميثي ردّي وإشعاره بموعد الرحلة في مساء اليوم ذاته، واتصل بي مرة أخرى في المساء ليسألني عن موعد الرحلة، وكان إلى جانبي حينها حنين حاتم، سفير سورية لدى فرنسا، فأبلغته بأنني سأصل غداً الخميس إلى أبو ظبي بإذن الله، وطلبتُ منه أن ينقل تحياتي إلى صاحب السموّ، الشيخ زايد. وفي الوقت نفسه، أشعرتُ السفير السوري بأنني متوجه غداً لزيارة الإمارات، ووضعتُه في صورة الاتصالات التي أجريتُها بمندوب جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان سلطنة عمان، السيد عبد الله راشد (أبو فهد)، الذي التقيته في جنيف، وكذلك اللقاءات التي أجريتُها مع بعض الشخصيات اليمنية بشأن تطورات الأوضاع في اليمن. وكان السفير السوري قد جاء لزيارتي للاستفسار عن آخر التطورات في اليمن بتكليف من دمشق." 

 

30 يوليو والوصول إلى ابوظبي 

 

ويكمل الرئيس ناصر حديثه حول وصوله ابوظبي وقال:" مساء الخميس وصلتُ إلى مطار أبو ظبي بعد رحلة طويلة وشاقة انطلاقاً من باريس، مروراً بجنيف، فالرياض، حتى وصلت طائرتنا إلى العاصمة الإماراتية، حيث وجدتُ السيد خميس الرميثي في استقبالي في المطار، فأقلّني بسيارته الخاصة إلى فندق الـ"إنتركونتيننتال" حيث مقر إقامتي، وكان في إثرنا رتل من سيارات الضيافة والمرافقين.

 

  كان الوقت ليلاً، والطقس حاراً جداً، والرطوبة عالية، كما هي الحال في هذا الوقت من السنة، ولكن آثار نعمة الثروة النفطية وجهود الإنسان كانت ماثلة في كل مكان.

 

 أبو ظبي مدينة حافلة، فيها بصمة الحداثة، مدينة شاهدة على عصر النفط والتطور الذي جاء به، وقد جعل الشيخ زايد من أبو ظبي مدينة جميلة وعصرية مكسوّة بالأشجار والخضرة،

 

تتألق على مياه الخليج بالأضواء، كاسرةً حدة الصحراء وألوانها الصفراء القاحلة. وقد أشرف بنفسه في المراحل الأولى على زراعة كل شجرة، وتابع هذه العملية لحظة بلحظة، كما عرفتُ، حتى صنع هذه المعجزة التي حولت الصحراء إلى واحات وجنان خضراء.

فلم تعد المدينة قصوراً وفيلّات وأبراجاً شاهقة، بل أعطى لها الحياة بحدائق تتوهج بالخضرة والنضارة، وبدل أن تلتهم الرمال الأشجار والمدن، فإن الزراعة أخذت تزحف على الصحراء وتقلّص مساحتها، حيث زُرعت مئات الآلاف من الأشجار، بل الملايين."

 

هذا ما طلبة زايد من الرئيس ناصر 

 

 ويتذكر الرئيس علي ناصر طلب الشيخ زايد منه فقال مستدركا:" أتذكر أنّ الشيخ زايد طلب مني في بداية حملته لتشجير أبو ظبي نخيلاً من حضرموت التاريخ والحضارة والعلم، كما قال عنها. وقد أرسلنا إليه 3500 شتلة من نخيل حضرموت بالطائرات، حيث غُرست في أبو ظبي، وقد صارت اليوم ــ ولا شك ــ غابة نخيل مثمرة في مظهر لا يحدّه قطب، ولا تختصره شمس، في أُلفة حميمة بين حضارة حضرموت وتاريخها وعراقتها، وتربة الإمارات وحاضرها، وقد تآلفتا، وكان بينهما ذات يوم حدود مشتركة وانتقال حرّ للسكان عبر صحراء الربع الخالي. " 

 

النفط غير حياة الصحراء 

 

ويواصل الرئيس ناصر حديثه في هذه اللقاء ويقول:" غيّر النفط حياة الصحراء، ولم يبقَ من مظاهرها ومن حياة البدو إلا اللباس العربي الأبيض الذي يناسب طبيعة المناخ القاسي والطقس الحارّ والشمس الحارقة في شبه الجزيرة العربية. لم يبقَ من عادات البدوي إلا سباق الهجن والصيد بالصقور، والملامح العربية التي تبدو كما لو أنها نُحتَت بإزميل، ثم كستها النضارة وبانت عليها نعمة المولى والنفط. لكنّ الأهمّ من هذا وذاك، أنّ سكان الإمارات وعُمان ما زالوا يحتفظون بأهمّ ثرواتهم وأغلاها، وهي الأصالة العربية والعادات والتقاليد الأصيلة، من الكرم والوفاء والشهامة ومكارم الأخلاق والتعاضد الاجتماعي، بعكس مجتمعات أخرى أضاعت الثروة النفطية قيمها الرفيعة تلك!

 

ومضى الرئيس ناصر تابع حديثه ويقول:" ولا شك في أنّ الحفاظ على هذه القيم الأصيلة في طوفان الثروة وسرعة التطور العاصفة راجع بدرجة كبيرة إلى عراقة الجيل المؤسس للدولة وأصالته، من أمثال الشيخ زايد وإخوانه حكّام الإمارات والسلطان قابوس، الذين بنَوا دولاً عصرية وسط الصحراء في زمن قياسي، ويعود أيضاً إلى حكمتهم التي حافظت على أخلاق المجتمع وقيمه، فلم يسمحوا للثروة الطارئة بإفسادها. وإن كانوا ينطقون كل لغات الشمال، فإنهم لم يهجروا لغتهم العربية، ولا لهجتهم البدوية، وهم يستخدمون آخر منتجات العصر ووسائله." 

 

 لقاء الرئيس ناصر بحكيم العرب 

 

ويسترسل الرئيس ناصر حديثه حول لقائه بحكيم العرب وقال:": صباح يوم الجمعة استقبلني صاحب السموّ الشيخ زايد، كما كان مقرراً. كان وديّاً للغاية كعادته وهو يرحّب بي. وقد أدركتُ من تحديد موعد الزيارة واللقاء بسموّه، بهذه السرعة، أنّه قلق جداً على الأوضاع الجارية في اليمن، فضلاً عن أنه كان يعني لي الكثير على الصعيد الشخصي، وعمّا يكنّه لي من مودة خاصة وعن رغبته في التشاور معي.

 

   بدأ الشيخ زايد حديثه بالسؤال عن صحتي وأحوالي، وعمّا سمعه عن احتمالات عودتي الى اليمن وقال:

 

   - نحن نسمع كثيراً عن رغبتكم في العودة إلى اليمن، وعلمت أنك ترغب في التشاور معنا بخصوص ذلك.

 

  وأضاف:

 

   - نحن أخوة لك، ولن ننصحك إلا بما نرى أنّ فيه صلاحاً لك ولليمن وللمنطقة وأمنها واستقرارها، وليس لنا في ذلك مصلحة خاصة. ويعلم الله بذلك.

 

    وكان ممّا نصحني به التريث، وعبّر عن ذلك قائلاً:

 

   - أنا خائف عليك. الوضع في اليمن غير مستقر، كما تعلم، وكل واحد يتآمر على الآخَر، ويمكن أن يخدعوك ويقتلوك!

 

هكذا، بكلمات قليلة وصريحة وواضحة، عبّر عن مخاوفه، كما هي عادته، إذ لم يكن يحبّ اللفّ والدوران والكلمات المنمَّقة، بل يصل إلى ما يريده مباشرةً.

 

وأكمل: 

 

  - سيأتي يوم تعود فيه إلى وطنك معزَّزاً مكرّماً، فالكل ــ كما أعرف ــ يحبونك في اليمن وخارج اليمن، ويقدّرونك.

 

 وكان من بين ما نصحني به سموّه، تحذيره لي من المشايخ في اليمن الذين اتصلوا بي وأرسلوا وفداً وطلبوا عودتي إلى اليمن، وقد جرت هذه اللقاءات في دمشق وباريس. وقال: صحيح أنهم مختلفون مع الرئيس علي صالح، ولكنهم لا يستطيعون مواجهته علناً، ولهذا فهم يريدونك واجهة لهم. وذكر بعض هؤلاء بالاسم. وكان الشيخ زايد على حق في تقييمه.

 

  وسألني سموّه عن علاقتي بالسعوديين والكويتيين والعُمانيين، وقد وضعتُه في صورة الاتصالات التي أجرَوها معي خلال الفترة الأخيرة، فكان رأيه الآتي: 

 

  - إذا كانوا راغبين حقاً في مساعدتك من دون شروط، فاقبل مساعدتهم. أما إذا كانوا سيشترطون عليك، فارفض ذلك.

 

  وأبدى سموّه استعداده لتقديم المساعدة لي دون أية شروط، وقال لي:

 

- أنت أخٌ عزيز وشريف، ونحن نتمنى لك كل الخير والتوفيق.

 

  وتطرّق الحديث بيننا تفصيلاً إلى العديد من الأوضاع، واستنتجتُ من حديثه معي أنه على إلمام بما يدور في اليمن، وأنّ مدير مكتبه خميس الرميثي، قد لخص لسموّه أهمّ ما دار بيني وبينه خلال مكالماتنا الهاتفية عندما كنتُ في باريس، فساعدني ذلك في التمهيد للقاء.

 

 شرحتُ للشيخ زايد صورة الأوضاع في اليمن حينها، وفكرة العودة، وطبيعة الاتصالات بالقوى السياسية والشخصيات الاجتماعية في اليمن، وبالأخوة في السعودية وسلطنة عمان وقطر وغيرها من اتصالات عربية ودولية. وقلتُ لسموّه إنني بحاجة إلى التشاور المستمر معه، وإلى دعمه السياسي والمعنوي. وأعربتُ له عن بالغ تقديري لنصيحته بعدم الاستعجال في قرار العودة في هذه الظروف، وانتظار ما ستسفر عنه الأمور في اليمن.

 

ونصحني قائلاً: "أما إذا قررتَ، أو فكرتَ في العودة إلى اليمن، فنحن نطلب منك كأخٍ.

زيارتنا قبل العودة إلى الوطن للتشاور في ما فيه مصلحة الوطن والمواطن في اليمن والمنطقة".

 

 ويقول الرئيس ناصر في تصريحه :"وفي ختام اللقاء اتفقنا على إجراء المزيد من المشاورات مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي والدول الأوربية واستجلاء الموقف. وبعد ذلك قمنا بزيارةٍ لإمارة دبي وإمارة الشارقة وإمارة عجمان، وكانت المرة الأولى التي أزور فيها هذه الإمارات.

 

واختتم الرئيس علي ناصر حديث هذه الحلقة قائلا :" المهم أنّ الإمارات تطورت خلال عقود قليلة، وحققت قفزة نوعية في التعليم والصحة وبقية الخدمات، وتُعَدّ اليوم رمزاً للاستقرار والتطور والتعاون والانسجام بفضل حكمة الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات." 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص